إعلان 10

الجمعة، 8 يوليو 2016

في العفو

أتي معن بن زائدة بأسرى فأمر بضرب أعناقهم، فقام غلام منهم فقال: أنشدك الله أيها الأمير أن لا تقتلنا ونحن عطاش، فقال: اسقوهم، فلما شربوا قال: ناشدتك الله أن قتلت ضيفانك، قال: أحسنت وخلى سبيلهم.

همّ الأزارقة بقتل رجل، فقال: أمهلوني لأركع، فنزع ثوبه واتزر ولبى وأظهر الإحرام، فخلوا سبيله لقوله تعالى: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ  الْحَرَامَ﴾.

ولما أتي عمر رضي الله عنه بالهرمزان أراد قتله، فاستسقى ماءً، فأتوه بقدح فأمسكه بيده فاضطرب، وقال: لا تقتلني حتى أشرب هذا الماء، فقال: نعم، فألقى القدح من يده، فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمنني، وقلت: لا أقتلك حتى تشرب هذا  الماء، فقال عمر: قاتله الله أخذ أمانًا ولم نشعر به.
غضب رجل على عبده، فقال: أسألك بالله إن علمت أني لأطوع لك منك لله فاعفُ عني عفا الله عنك، فعفا عنه.

وقال رجل لأمير غضب عليه: أسألك بالذي أنت أذل بين يديه غدًا مني بين يديك إلَّا ما عفوت عني، فعفا عنه.

الذنب

أتي المنصور برجل أذنب فقال: إن الله يأمر بالعدل والإحسان فإن أخذت في غيري بالعدل فخذ فيَّ الإحسان؛ فعفا عنه.

قال الشعبي لابن بسرة وقد كلّمه في قوم حبسهم: إن حبستهم بالباطل فالحق يخرجهم وإن حبستهم بحق فالعفو يكفهم، فأمر بإطلاقهم.

قال رجل لمعن: ما على المذنب أكثر من الرجوع فهل على من لم يذنب أكثر من الاعتذار.

وقال الرشيد لمذنب: لأضربنك حتى تقر بالذنب، فقال: هذا خلاف ما أمر الله تعالى به لأنه أمر أن يضرب الناس حتى يقروا بالإيمان وأنت تضربني حتى أقر بالكفر، فخجل الرشيد وعفا عنه.

هشام والمدح

مدح رجل هشام بن عبد الملك، فقال: يا هذا إنه قد نُهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال: ما مدحتك ولكن ذكرتك نعم الله عليك لتجدد شكرًا، فقال هشام: هذا أحسن من المدح فوصله وأكرمه.

حاتم وإخوته

لما مات حاتم الطائي تشبه به أخوه فقالت له أمه: لا تتعبن فيما لا تناله، فقال: وما يمنعني وقد كان شقيقي وأخي من أمي وأبي، فقالت: إني لما ولدته كنت كلما أرضعته أبَى أن يرضع حتى آتيه بمن يشاركه فيرضع الثدي الآخر، وكنت إذا أرضعتك ودخل صبي بكيت حتى يخرج.

وكانت أخت حاتم سخية لا تبقي شيئًا، فحظر عليها إخوتها وحبسوها حتى ذاقت طعم الجوع والفقر، فظنوا أنها قد وجدت ألم الضيق والفقر فأطلقوها ودفعوا إليها صرَّة، فأتتها سائلة، فقالت: دونك الصرة فقد نابني من الجوع ما لا أمنع بعده سائلًا أبدًا.

هشام بن عبد الملك والغلام

حصلت في عهد هشام مجاعة عظيمة، فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي - وكان غلاماً لم يتجاوز العاشرة من عمره-، فنظر هشام إلى حاجبه نظرة لائم في دخول درواس إليه وقال: أيدخل علي كل من أراد الدخول! وكان درواس مفوهًا فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخل لك دخولي عليك، ولقد شرفني ورفع قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أحجموا عنه فإن أذنت في الكلام تكلمت، فقال هشام: لله درك تكلم، فما رأى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث : أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصت العظم ولله في أيديكم أموال فإن تكن لله فاعطفوا بها على عباد الله وإن تكن لهم فعلام تحجبونها عنهم؟! وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين، فقال هشام: لله أنت ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقُسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما يبعث على ذمك، فلما عاد إلى داره أمر بذلك فبعث إليه فقسم تسعين ألف درهم في تسعة من أحياء العرب وأبقى عشرة آلاف درهم فبلغ ذلك هشامًا فقال: لله دره إن صنيعة مثله تبعث على الاصطناع.

المروءة والفقير

حُكِي أن أحد أصحاب المروءة كان له جار فقير، فبينما كان ذات يوم مارٍّا بدار ذاك الرجل إذ سمع ابنته تقول لأمها: يا أمي ليس عندنا الليلة ما نأكله، فقالت لها أمها: صبرًا لعل الله يشفق علينا فينقذنا من مخالب الجوع، فلما سمع الرجل ذلك بكى من الحنان، وقال لابنةٍ له: خذي هذه الدراهم إلى بيت فلان جارنا ولا تدعي أحدًا يراك أو يعلم بما تفعلين، فذهبت الابنة إلى بيت الفقير فرأت بنته في الباب فأعطتها الصرة وقالت ساترة وجهها: خذي هذه الدراهم، فسألتها عن اسمها فلم تجب، فعادت إلى أمها بتلك الصرة، فقالت لها: من أعطاك هذه؟ فقالت: لا أعلم لأن الذي دفعها إليَّ كان متنكرًا، فأخذت تدعو وأهل البيت لذلك الرجل المحسن الذي بعثه الله إليهم من حيث لا يدرون.

قيس بن سعد والأعرابي

قيل لقيس بن سعد: هل رأيت قط أسخى منك، قال: نعم، نزلنا بالبادية على امرأة فحضرزوجها فقالت: إنه نزل بك ضيفان، فجاء بناقة فنحرها، وقال: شأنكم، فلما جاء الغد جاء بأخرى ونحرها، وقال: شأنكم، فقلت: ما أكلنا من التي نُحرت لنا البارحة إلا اليسير، فقال: إني لا أطُعم أضيافي الغاب، فأقمنا عنده أيامًا والسماء تمطر وهو يفعل كذلك، فلما أردنا الرحيل وضعنا في بيته مائة دينار وقلنا للمرأة: اعتذري لنا منه، ومضينا، فلما تواسط النهار إذا رجل يصيح خلفنا: قفوا أيها الركب اللئام أعطيتمونا ثمن القرى، لتأخذنها وإلا طعنتكم برمحي، فأخذناها وانصرف.